ديونك لم تعد سراً... المصارف وشركات التحصيل تستبيح خصوصيتك

ديونك لم تعد سراً... المصارف وشركات التحصيل تستبيح خصوصيتك -- Jul 31 , 2025 17

ليس مستغرباً على المصارف أن تلجأ إلى شركات خاصة لتحصيل ديونها من عملاء لم يتخلّفوا عن السداد بحالات كثيرة سوى لكون المصارف اختلست ودائعهم ومدخراتهم. ولكن ما هو مستغرب أن تحكم علاقة المصارف بشركات تحصيل الديون عقوداً تغيب عنها أي ضوابط قانونية وأخلاقية من شأنها حماية بيانات اللبنانيين وخصوصياتهم.


فالمصارف، التي تُعد قانونياً حارسة لسرية العملاء، تتعاقد اليوم مع شركات فاكتورينغ لتحصيل ديون العملاء المتعثرين أو المتخلّفين عن السداد، من دون التدقيق في آلية تحصيل الديون. ما يفتح الباب أمام الشركات للوصول إلى معلومات خاصة، تشمل الأسماء الكاملة للعملاء وعائلاتهم، العناوين، أرقام الهواتف، وحتى بيانات أفراد العائلة، وكل من يمت إلى العميل بصلة، سواء جاره أو زميله في العمل أو قريبه من بعيد. ورغم غياب تشريع واضح ينظّم العلاقة مع شركات تحصيل الديون ويحدّد ضوابط عملها، تبقى مسألة انتهاك البيانات الشخصية غير قانونية وغير أخلاقية.

تقصٍّ غير مشروع

تقوم إحدى شركات تحصيل الديون باختراق ممنهج لبيانات اللبنانيين الشخصية، وصلت حدّ استخدام اسم زوجة شخص لا يمت للعميل بصلة، كذريعة لتحصيل ديون مصرفية، والتواصل معه عبر أشخاص لا يعرفهم، بطريقة مثيرة للريبة.

ومن بين العديد من الحالات التي تعرّضت لاختراق بياناتها وانتهاك الخصوصية من قبل شركة LDCR (أو NDCR وهو اسم آخر للشركة نفسها) المعنية بتحصيل الديون، مواطن يتّجه إلى رفع دعوى قضائية على الشركة التي تسبّبت له ولعائلته بإرباك كبير في بلدته، حيث تواصلت الشركة مع أكثر من 5 اشخاص لا يعرفهم لا المواطن المعني ولا زوجته للحصول على رقم هاتف الزوجة بهدف تسليمها بلاغاً رسمياً هي غير معنية فيه بالأساس. فالبلاغ الصادر عن شركة تحصيل الأموال LDCR موجّه إلى شخص آخر يحمل اسم شهرة الزوجة نفسها يترتّب عليه دين لصالح بنك عودة.


ويقول المواطن الضحية أن أحد الأشخاص تواصل معه مدّعياً أنه يعرفه، وتبين لاحقاً أنه تم استخدام اسم زوجته ضمن إجراءات لتحصيل ديون تعود إلى بنك عودة. كما تواصلت معه جهة ادّعت أنها من شركةDHL، مدّعية أن هناك طرداً باسم زوجته، وهو ما اتضح لاحقاً أنه ذريعة للتواصل معها وتسليمها البلاغ بتحصيل الدين. ما جعله يشك بوجود اختراق واسع للبيانات.

استخدام البيانات الشخصية من قِبل شركة تحصيل الأموال لا ترتبط بالشخص المذكور فحسب، بل باختراق ممنهج لخصوصية المواطنين. فتلك البيانات قد يكون مصدرها مؤسسات أمنية أو رسمية، ويتم استخدامها بشكل غير قانوني.

بين شركة LDCR وبنك عودة

شركة LDCR لم تنكر محاولتها الوصول إلى عملاء متخلّفين عن السداد لصالح بنك عودة "بشتى الوسائل". وتقول مسؤولة في الشركة في حديث لـ"المدن" "إننا نسعى للوصول إلى الشخص المعني بتحصيل الدين بكل الطرق وعن طريق أي كان". وعند سؤالها عن مدى مراعاة خصوصية البيانات، أصرّت على الحديث عن مراعاة الشركة "السرية المصرفية" علماً أن الشركة المذكورة انتهكت خصوصية الأشخاص بالإضافة إلى السرية المصرفية أيضاً. لاسيما أنها ومن خلال تواصلها مع العديد من الأفراد المرتبطين وغير المرتبطين مع العميل المصرفي، لم تعد مسألة عدم سداده أقساط الكريديت كارد سراً. فالجميع بات عارفاً بالدّين وحجمه.


وتابعت المسؤولة في الشركة: "في لبنان لا يوجد شيء اسمه خرق للخصوصية، فالجميع يمكنه الحصول على البيانات الشخصية للأشخاص والتواصل مع أي كان".

أما بنك عودة، ورداً على تلقي شكاوى تفيد بأن شركة NDCR sarl أو LDCR المتعاقد معها لتحصيل الديون قد خرقت سرية المعلومات الشخصية للعملاء خلال قيامها بمهامها، فيقول مصدر مسؤول في المصرف في حديث لـ"المدن" إن العقد الذي يوقع عليه أي عميل في المصرف يندرج فيه بند واضح، يفيد إنه في حال تخلّف العميل عن الدفع، يحقّ للبنك الاستعانة بشركة متخصصة لتحصيل الأموال نيابة عنه. ويرى المصدر أن على الشركة أن تلتزم بالقواعد المرتبطة بالحفاظ على السرية المصرفية وسرية البيانات، وألا تتصرف بشكل عشوائي.. من دون أن يجيب المصدر المسؤول في المصرف عما إن كان العقد بين البنك والشركة يتضمّن بنوداً واضحة تضمن حماية خصوصية العملاء وسرية بياناتهم الشخصية والمالية.

موقف القانون من الخرق

في الممارسة، لا تُخضع شركات تحصيل الديون غالباً لأي رقابة صارمة، وتستند إلى بنود عامة وغير مفصّلة ضمن عقود مصرفية يوقّعها العملاء، من دون معرفة كافية بتبعاتها. وهو ما يؤدي عملياً إلى انتهاك متكرّر لخصوصيات الأفراد، من دون حماية فعلية.

ويوضح الباحث القانوني والمحاضر رفيق هاشم في حديثه لـ"المدن"، أنه لم يصدر في لبنان قانون مستقل يُنظّم عمليات شركات "الفاكتورينغ" أي شركات تحصيل الديون، حتى اليوم. الإطار القانوني السائد يستند إلى قانون النقد والتسليف وبعض القرارات التنظيمية الصادرة عن حاكم مصرف لبنان، ولا سيّما القرار الأساسي رقم 7136/1998 وتعديلاته، والّذي أدرج "الفاكتورينغ" ضمن الأنشطة الماليّة المسموح بها للمؤسّسات الماليّة، وفقًا لما نصّت عليه المادة السابعة مكرر من هذا القرار.


في جوهره، يُفترض أن تُستخدَم عمليّات "الفاكتورينغ" كأداة ماليّة مرنة تساعد على تسييل الفواتير التّجاريّة وتُسهّل تمويل الشّركات، بما يُنشّط الدّورة الاقتصاديّة، غير أنّ الممارسة الفعليّة في السّوق اللّبنانيّة تثير علامات استفهام، ولا سيّما لناحية استخدام "الفاكتورينغ" كأداة لتحصيل القروض المصرفيّة والفرديّة.

علامات الاستفهام هذه تكتسب أهميّةً خاصّةً في ضوء قانون سريّة المصارف الصّادر في عام 1956، الّذي يُلزم المصارف بحماية أسرار عملائها وعدم إفشاء أيّ معلومة لأيّ طرف ثالث، إلا ضمن استثناءات ضيّقة جداً، بما في ذلك الموافقة الصّريحة والواضحة من العميل. وعليه، إنّ نقل القروض الشخصيّة إلى شركات "فاكتورينغ"، ولو بغطاء عقدي، قد يتعارض مع هذا الحصن القانوني.

كشف تعسّفي لمعلومات المدينين

وحسب المحامي هاشم، تبرز الإشكاليّة المتكرّرة في بعض العقود المصرفيّة، حيث تدرج بعض المصارف بنودًا مسبقة تسمح بمعالجة البيانات أو حتى رفع السريّة المصرفيّة تحت مسمّيات عديدة ضمن "البنود والشروط العامّة"، الّتي تُوقَّع في كثير من الأحيان من دون إدراك حقيقي من العميل لماهيّتها، ومن دون مواكبة ومشورة قانونيّة. وبالتّالي، لا يجب أن تشكّل "البنود والشروط العامّة" المحرّرة من المصارف غطاءً قانونيّاً لتجاوز السّريّة المصرفيّة المحميّة بقوّة القانون.


أما في عالم اليوم، حيث تتسارع ثورة المعلومات، فقد جاء قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81/2018 ليُرسّخ مزيداً من الحماية للحقّ في الخصوصيّة. ويقول هاشم أن هذا القانون يُشدد على ضرورة الشفافيّة، ووضوح الهدف من جمع البيانات ذات الطّابع الشّخصيّ، ومنع استخدامها خارج الأغراض المشروعة والمحددّة، وبالتّالي، إنّ أيّ كشف تعسّفي لمعلومات المدينين ذات الطابع الشّخصيّ أمام أفراد عائلاتهم أو جيرانهم أو ضمن محيطهم العمليّ أو المهنيّ أو الاجتماعيّ، لا يُشكّل فقط مخالفة أخلاقيّة ومسّاً بالشّرف والسّمعة، بل خرقاً قانونيّاً صريحاً قد يُعرّض مرتكبيه للمساءلة القانونيّة.

ويرى أن التحدّي الحقيقيّ يكمن في ضبط هذه العمليّات الماليّة حتى تبقى ضمن إطارها القانونيّ والاقتصادي الصحيح: دعم الاقتصاد بصورة قانونيّة وعلميّة، لا استباحة الخصوصيّات والكرامات.

وعليه، إنّ الوقتَ قد حان لأن يُعادَ النّظر بوضوح في هذا القطاع عبر إطار قانوني عصري شامل، يوازن بين مرونة تمويل "الفاكتورينغ" وصيانة الحقوق الفرديّة، بحيث لا تتحوّل هذه الآليّة إلى أداة ابتزاز ومضايقة اجتماعيّة. فلبنان بحاجة لقانونٍ يَضع الإنسان وحقوقه في قلب وصلب المعادلة الاقتصاديّة.


عزة الحاج حسن - المدن

أقرأ أيضاَ

إصلاح المصارف يمرّ... سلام يمتنع عن تحديد موعد لقانون الانتظام المالي

أقرأ أيضاَ

اليكم توصية وتقرير لجنة المال بشأن اصلاح المصارف